January 13, 2020 Yasser Ahmad 0Comment

في أحد الأيام وقبل سنوات طويلة، وقعت على خبر في أحد الصحف كان غريب ومحير. التقرير كان قصيرا وموجزا وكأن أحد ما كتبه على عجاله وبلا اكتراث، ولكنه جعلني أشعر بالحزن. نسيت الأمر بعدها حتى تأججت الأحداث في مصر خلال الثورة وبدأ الحديث عن أموال مبارك وبن على وأرصدة البنوك السويسرية. ساعتها تذكرت التقرير الذي كان مضمونه أن حجم الأموال السنوية التي تخرج من أفريقيا ليتم إيداعها في حسابات بنكية أوروبية يفوق حجم الأموال التي يتم تحويلها لتلك الدول. ساعتها فكرت أن أكتب رواية ولكني لم أكن أملك الكثير من المعلومات عن عالم المال. كل ما كان لدي ساعتها هو فكرة جمعت خيوطها من الأخبار وبعض الصور المترسبة في خيالي من فترة الثلاث سنوات التي قضيتها بدبي. لم أكن حقيقة أعرف من اين أبدأ؟

أول شيء حقيقي وضعت يدي عليه، كان الشخصية الرئيسية أو بطل الحكاية. طبيعتي الروائية تميل بشكل ما تجاه الشخصيات الغير متوقعة والتي لا نقابلها كثيرا في شخوص الأدب العربي المعتادة. ميلي لهذا الخط في التجديد كان يقابله صعوبة في وضع هذا النوع من الشخصيات داخل رواية واقعية تدور في عوالم حياتية تقليدية. القارئ العربي غير معتاد على هذا النوع من الشخصيات في محيطه. ظلت هذه الشخصية بمفرداتها وتركيبتها تشغلني حتى وجدت له قصة. شخصية الشخص اللا مكترث، الجريء، المعقد الحسابات ولكنه مغامر لأقصى درجة. صعب توقع أفعاله، ولكنه لديه دوما خطة غير معلنة. كانت هذه الشخصية تليق بمجنون دبي، ثم توالت من بعدها الأحداث والصدف…

في العام ٢٠١٦ انتقلت إلى سنغافورة للعمل في شركة مالية وبدأت معرفتي بعالم المال تتشكل من داخل أروقته. شرعت في الكتابة قبل أن تخدمني الصدفة بعدها بأشهر قليلة. في المنتصف هذا العام تم تسريب أكبر عدد من وثائق عالم المال، التسريب المعروف باسم “بنما ليكيس”. التسريب أظهر وثائق لأكبر سياسي العالم وشركاته وكان من بينهم سياسيين عرب. هذا التسريب منحني الفرصة لأضرب بتفاصيل روايتي داخل متون هذا العالم الذي لا نعرف عنه الكثير. بالطبع كانت دبي هي أيقونتي المفضلة والأرض الثرية للأحداث والمدينة الأفضل لظهور المجنون. بعد مقاربتي على الانتهاء من الرواية في العام ٢٠١٨ راودني السؤال المهم والمعتاد. هل هناك من يريد أن يقرأ عن عالم المال في هذا شكل رواية عربية. كنت أعلم أن القارئ العربي لم يعتد من قبل على هذا العوالم الروائية وخصوصا عندما يكون هناك عرض مكثف لمعلومات قد تحتاج لبحث شخصي منه. الأصعب أن تلك المعلومات كانت نوعا ما حديثة ومازال العالم يتقفى أثرها ويحاول تكوين صورة عنها. لكن العالم العربي بشكل خاص كانت متورط في هذا الأمر حتى النخاع والأموال المهربة سنوية من دول عربية عدة تقدر بالمليارات. كانت مغامرة أن أكتب رواية تشويقية أحداثها مكثفة وتدور في عالم جديد على القارئ العربي كما أن شخوصها غير اعتيادية وتتنقل ما بين مدن العالم. كل هذه العناصر جعلتني أفكر في الأمر ولكنني كعادتي تجاهلت كل هذه الأطروحات. أعلم أن محاولات التجديد في الرواية العربية والتطرق لموضوعات غير محلية سيكون غريبا على القارئ.

مجنون دبي هي محاولة للخروج من عنق زجاجة للتفتيش عن موقعنا في العالم وتفاعلنا مع ما يدور فيه ليس فقط سياسيا ولكن فكريا. ربما كانت مجنون دبي محاولة أدبية مجنونه للإجابة على سؤال كان مطروحا من أجيال شابة ولم يجب عليه أحد. السؤال أكبر من بضعة ملايين أو من مليارات خرجت ولم تعد. السؤال هو متى سنكتب عن موضوعات تمس هذا العالم الذي نحن جزء منه. موضوعات تتجاوز أفق أدبي مازال يستنسخ روح السبعينات والعدو خلف الجوائز وذوق الناشرين المرتبط بصفقات معارض الكتب.

هناك الكثيرون مثلي المهتمين بخلق روح جديدة تناسب ليس فقط الأجيال الحالية، ولكن تقربنا من الحضور في هذا العصر وطرح أفكارا تجعلنا ننتقل إلى رؤية أفضل لم نكون.

مجنون دبي - رواية - ياسر أحمد
مجنون دبي - رواية - ياسر أحمد
مجنون دبي - رواية - ياسر أحمد