January 29, 2012 Yasser Ahmad 0Comment

كنت أمر من هنا ثم توقفت وحدثتني نفسى “هذا المكان أعرفه”، ومضيت أفتش فى غياهب الذاكرة باحثا ولكنى لم أصل لأى شئ.

أقف على الناصية وحيدا فى الليل وعيني تغوص فى المكان كأنها ضوء مصباح مثبت على عمود الشارع، يجول نوره ببطئ فى أغوار الظلام.

ما هذا المكان الذى يوقفني فلا أمضى ولا أسير وأظل على عتابته متسائلا؟ وكأن شئ فى الذاكرة يكمن هنا وينتظرني لأبوح. فى هذا المكان أتوقف وكأن هناك فى هذا السكون ميعاد ينتظر.

سرحت فى نفسي وأرتحلت فى ذاكرتي تأخذنى بلدان وصور وطرقات ووجوه. أنفتحت الذاكرة على دروب بعيدة وليالي طويلة وأحاسيس حب وكره وغضب وحكايات تغزل نفسها بلا نهايات. كل الأشياء تلتقي مع بعضها البعض فى لحظة ثم تنحسر عن بعضها فتتفكك وكأنها فورة إعصار غطي وجه الأرض ثم أنحسر تاركا الأشياء لتحكي لك عن نفسها.

هذا وجه أخى الأسمر وعينيه سارحة تفتش في، وكعادته يختزن فى داخله أشياء يراها في ولم ينبأني بها، ولا يخرج مني سؤال ولا يخرج منه كلام. هذا صوت أول فتاة قابلتها فى الغربة عندما مرت بي ثم قالت “أهلا أيها الغريب” وألتمعت عينيها وكأنها تطالع رجل خرج من كتاب كانت تقرأ فيه. هذه صورة فى الذاكرة أرسمها لنفسي فأراني طفل رفيع يرتدي زى المدرسة ويرتجف جسده الضعيف مع أى برودة تتسرب إليه وهو يسير وحيدا حزينا فى صباح شتوي بعيد. هذه صورة خشب مرفأ قديم متهالك كنت أجلس عليه وفى يدي دفتر أكتب فيه شعر يتلوه على البحر الأزرق وكأنه يقول ما أريد. هذه صورة فتاة أحببتها كانت تحييني كعصفور رقيق كل صباح ثم أتى يوما ورسمتني رجل يمشي مبتعدا ومطر يسقط عليه من دموعها. هذه قصة أحفظها عن ظهر قلب وكلما حكيتها لشخص لم أكملها.

فى هذا المكان تأتيني الذكريات تلو بعضها كثيرة وبعيدة، تنمو وتنمو فى أرض خيالي وتتشابك وتحكي وتصمت وتطالعني وأطالعها وكأنى كنت قد نسيتني ونسيت شكل وجهي وذات يوم طالعني على صفحة البحيرة فأندهشت منه وأندهش مني. أحكي لنفسي قصتي فتحكي نفسها لي، أسأل ذكرياتي من أنا؟ وما هذا المكان الذى أوقفني ولم أتحرك؟ فتسألني ذكرياتى أن كنت حقا أذكرها؟

أطالع المكان من حولي محاولا أن أعرفه أو أجد صورة فى ذاكرتي تتطابق معه ولا أجد. بيت قديم ونوافذ مغلقة وشجرة صفصاف تغطي شرفته. شارع طويل تنام على جانبيه بيوت وحيدة وصامتة. مقهى مغلق يتسرب منه الضوء ومفتاح فى يدي منتظر.

أسأل ذاكرتي القريبة، إلى أين كنت ذاهب؟ فترد ذاكرتي البعيدة علي، كيف أتيت؟ ويبقى كل شئ في يذهب ولا يعود.

يدخل المفتاح فى الباب فينفتح، دراجة تقف وحيدة فى المدخل وبريد كثير مسجل عليه أسمي ينتظر على العتبة. هاتف يرن فى الركن وحيدا وأوراق على المكتب مكتوب عليها رسالة مكتوبة لشخص لا أعرفه، هذا الخط هو خطي وهذا أمضائي فى الخاتمة. وضعت الرسائل القادمة إلى جوار الرسائل التى لم أرسلها وقلت لنفسي.. لعله أنا، ونمت.

ياسر أحمد

discover